تاريخ السحر من وجهات نظر غربية
صفحة 1 من اصل 1
تاريخ السحر من وجهات نظر غربية
تاريخ السحر :
يمكنك مطالعة مفال بالفيس بوك علي الرابط :
https://m.facebook.com/LyltAlfz3/posts/307197382748889:0
لكن المقال التالي فهو منقول بنصه من موقع مايوز / مقال بتاريخ ١٦-٦-٢٠١٧ وبعنوان" تاريخ السحر " وكان قبل حذفه منشورا علي الرابط التالى :
http://www.maioz.com/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AD%D8%B1/
يمكنك مطالعة مفال بالفيس بوك علي الرابط :
https://m.facebook.com/LyltAlfz3/posts/307197382748889:0
لكن المقال التالي فهو منقول بنصه من موقع مايوز / مقال بتاريخ ١٦-٦-٢٠١٧ وبعنوان" تاريخ السحر " وكان قبل حذفه منشورا علي الرابط التالى :
http://www.maioz.com/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AD%D8%B1/
زائر- المساهمات : 222
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
تاريخ السحر | مايوز
تاريخ السحر
من أين أتى السحر؟ قبل ظهور علم الأنثروبولوجيا بوقتٍ طويل، ظل المثقفون يفكرون مليًّا في إجابة هذا السؤال. وغالبًا ما كانت الإجابة أنه أتى من الشرق، لكن ما مدى بُعد هذا الشرق الذي أتى منه السحر؟ يقدم لنا المفكر الروماني المناصر لمذهب الطبيعة بلينيوس الأكبر (23–79م) أول محاولة مدروسة لتصور تاريخ السحر؛ فقد ورد في كتابه «التاريخ الطبيعي» أنه كان هناك «إجماع عالمي على أن السحر بدأ في بلاد فارس بظهور زرادشت.»
وبناءً على حسابات القرن الرابع قبل الميلاد التي أجراها عالم الرياضيات الإغريقي يودوكسوس والفيلسوف أرسطو، قدَّر بلينيوس أن زرادشت قد عاش قبل ستة آلاف عام من زمن أفلاطون الذي وُلد في القرن الخامس قبل الميلاد.
لكن السحر لم يجد طريقه إلى الغرب إلا خلال الحملة الحربية الفاشلة التي شنها الملك الفارسي خشايارشا على الإغريق، وقد كان هذا عام 480 قبل الميلاد. وكان هناك ساحر يُدعى أوستانا — والذي اعتقد بلينيوس أنه أول من دوَّن السحر — يرافق خشايارشا «ونشر الوباء في العالم أينما حل خلال رحلتهما». وهكذا أصيب الإغريق — كما يذهب بلينيوس متحسرًا — باشتهاء السحر والجنون به. وذكر أن فيثاغورس وأفلاطون وإيمبيدوكليس وديموقريطوس ارتحلوا جميعًا إلى الشرق ليعرفوا المزيد عن السحر الذي نشره أوستانا ورفيقه المجوسي، اللذان اعتبرهما بلينيوس محتالَين وأحمقَين.
تميزت أعمال ديموقريطوس (460–370ق.م) بأنها الأكثر تأثيرًا في نشر منهج السحر الفارسي.
ويُعزَى تركيز بلينيوس على ديموقريطوس — الذي اعتبره البعض «أبو العلم» — إلى أنه كان مقتنعًا بما نُسب زورًا لهذا الرجل من ممارسة أعمال السحر والخيمياء (السيمياء).
وكان من بين أبرز النصوص «كيروميكتا» الذي شرح الخصائص السحرية للنباتات والأحجار والحيوانات. كان المؤلف الفعلي لهذا النص — على ما يبدو — مصريًّا نال تعليمه في اليونان ويدعى بولس الميندسي.
عرَّف بلينيوس فيما كتبه عن تاريخ السحر فروعًا أكثر حداثة من السحر، أحدها تفرع من «موسى وينيس ويمبريس واليهود، لكنه كان حيًّا بعد زمن زرادشت بآلاف السنين». وظهر فرع آخر في قبرص.حذا بعض الكُتَّاب المسيحيين الأوائل حذو الإغريق والرومان في رد أصول السحر إلى عالم البشر، وتحديدًا إلى زرادشت وأوستانا، لكنَّ ثَمَّةَ أسماءً أخرى كانت بارزة، منها ملكان مصريان ساحران اسمهما نخت أنبو وبختانيس.
لكن لما كان تاريخ السحر مغمورًا بالكامل في «رؤية عالمية» مسيحية، كان لا بد أن يحتويَ العهد القديم نسبة السحر إلى أصول ومواقع جغرافية.
ظهر السرد الرئيسي في أدب مؤثر وملفق، مثل الرسالة الإكليمندية الزائفة التي تنسب للأب كليمنت أسقف روما، والتي انتشرت خلال القرن الرابع الميلادي.
تقول الرسالة إن شياطينَ هي التي علَّمت البشر السحر، ويتوافق هذا مع تراث يهودي ورد في جزء من «سفر أخنوخ» يحمل اسم «الملائكة الساهرون» الذي ربما يعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد؛ إذ يذكر هذا الكتاب أن شياطين هبطت من عند الرب مدفوعة بدوافع الفسق التي جعلتها تتمرد وتهبط إلى الأرض لتتزوج من بنات البشر، وأنجبت عمالقة، وقد لقنت تلك الشياطين رفيقاتها الإناث السحر وعلم الأعشاب بينما كانت تستمع بحريتها.
كان تركيز المسيحية منصبًّا بشدة على انتقال السحر عبر سلسلة من الذكور؛ إذ ورد في «إقرارات» الرسالة الإكليمندية الزائفة أن حام بن نوح كان أول من مارس هذا الفن الشيطاني الفاسق الجديد، وقد ظل علمه بالسحر باقيًا بعد «الطوفان العظيم» ووصل إلى مصرايم ابنه، ومن ابنه إلى ذريته من المصريين والفرس والبابليين. وهكذا شُبِّه مصرايم بزرادشت (وإن كانت مصادر أخرى تذكر أن حام هو نفسه زرادشت). لكن إبيفانيوس — أحد آباء الكنيسة في القرن الرابع — كان يعتقد أن السحر ظهر قبل حام واختار أن ينسبه لجاريد ابن الجيل الخامس من ذرية آدم.
يعد النمرود أيضًا شخصية بارزة في هذه الحكايات التاريخية الأولى عن السحر؛ إذ يقول العهد القديم إنه حفيد حام، وإنه عاش بالقرب من المراكز الحضرية الهامة في بابل وأوروك (الوركاء). وقد اكتسب شهرة أسطورية كصياد بارع وثائر في وجه الرب. يقول إبيفانيوس إن النمرود وضع أسس علم السحر، وتروي «الإقرارات» كيف تلقى علمه بالسحر في لمح البصر من أعلى، من السماء. وكان بعض الكُتَّاب الأوائل أيضًا يعتبرون أن النمرود هو نفسه زرادشت.
وبصرف النظر عن السلالة التي انحدر منها، كانت الرؤية المسيحية اليهودية تذهب إلى أن السحر أنتجه البابليون أو الفرس أو المصريون، الذين تعلم موسى منهم حيلة أو اثنتين.
أضاف العهد الجديد شخصيات جديدة إلى قصة بداية انتقال السحر؛ إذ يظهر سيمون المجوسي أولًا في العهد الجديد في سفر أعمال الرسل، الذي يصفه بأنه رجل سامري «كان قد مارس السحر في المدينة من قبل».
ويروي لنا السفر قصة تعميده، وعتاب بيتر إياه لأنه عرض المال مقابل الحصول على سر الشفاء من خلال الروح القدس بحيث يشفي من يضع يده عليه. ليست هناك تفاصيل أخرى أكثر من ذلك، لكن تحوُّل سيمون إلى مجوسي وساحر بارع وأب لكل البدع أوردتْه نصوص كُتبَت في القرنين الثاني والثالث الميلاديين.
وتزعم إحدى مخطوطات القرن الرابع الميلادي — على سبيل المثال — أن سيمون تُوُفِّيَ بعد محاولته الطيران.
ظلت الأسطورة تخضع للإضافة والمبالغة والتحريف على مر القرون الثمانية عشر اللاحقة.
خلال العصور الوسطى، برز سليمان المذكور في الكتاب المقدس — والذي طالما استُخدم اسمه في ممارسة السحر — في الصدارة على افتراض أنه أصل السحر أو الحكمة، اعتمادًا على وجهات النظر المعاصرة المختلفة في هذا الصدد؛ فقد صيغت كتب السحر التي تدَّعي أنها تحوي تفاصيل بشأن طقوسه والسحر الذي استخدمه لإخضاع الجان وتحقيق التنوير الروحي.
ثَمَّةَ رمز أسطوري آخر من رموز السحر هو هرمس طريسميجيسطيس — الاسم الذي ظل حيًّا في هذا المجال لعدة قرون — الذي قيل عنه إنه ألَّف آلاف الكتب في العلم والغيبيات أو «الفنون الغامضة». فلما كان هرمس شخصية متعددة الهويات باعتباره فى اعتقادهم " إلها بشريا ومزيجًا توفيقيًّا من الإله المصري تحوت والإله اليوناني هرمس!!!" لذا أصبح شخصية بارزة في تراث السحر إبَّان عصر النهضة في القرن الخامس عشر، لا سيما عقب العثور على مخطوطات عن الفلسفة الغيبية زُعم أنه مؤلفها وتُرجمت إلى اللاتينية.
في محاضرة أُلقيت بإحدى الجامعات في عام 1636، طرح شخص يُدعى سايمون رافنزبرج السؤال البلاغي التالي: «هل يمكن تقديم معلومات حاسمة بشأن أول مصدر للسحر، أعني أين نشأ ومتى كان ذلك … إلخ؟» ثم أجاب: «لا، لا يمكن.» وأردف أنه ثَمَّةَ أمر واحد فقط يقينيٌّ، وهو أن السحر «وُلد مع الوثنية، وكأنهما خرجا من نفس الرحم.» باختصار؛ لقد كان السحر اختراع الشياطين.
ؤكن هذه الآراء اليقينية تعرضت للتشكيك في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حينما بات السحر نفسه يحظى بالدفاع أو — على الأقل — بات تاريخه يخضع للمراجعة.
ففي عام 1625، ألَّف أمين المكتبة والطبيب الفرنسي جابرييل نودي (1600–1653) كتابًا بعنوان «اعتذار لكل الحكماء الذين اتُّهموا زورًا بممارسة السحر» تُرجم إلى الإنجليزية عام 1657 تحت عنوان «تاريخ السحر». وكان نودي يهدف لتبرئة شخصيات مثل: زرادشت، وسقراط، وفيثاغورس، وفيرجيل، وعالم القرون الوسطى روجر بيكون، مما وصموا به من شائعات كاذبة واتهامات على مدار قرون. وإبَّان ذلك، أضفى تألقًا إيجابيًّا على السحر نفسه. وقال إن هؤلاء الرجال العظام في مجالَي الفنون والعلم — وغيرهم — طالتهم الشبهات بسبب «انخراطهم في السياسة وتعلُّم العلوم الجديدة والرياضيات، وبسبب معلومات من كتب ملفقة وملاحظات خرافية، وهرطقة وحقد ومنافسة، وجهل وسرعة تصديق من جانب القراء، وافتقار الحصافة ومَلَكة التمييز من جانب الكُتَّاب». ميَّز نودي بين السحر المشروع وغير المشروع، وقال إن السحر المشروع يشمل السحر الإلهي؛ أي: النبوءات والمعجزات والتكلم بالألسنة. ثم هناك السحر «العلوي» الذي يتحقق أثره بالتواصل مع الملائكة، وهذه الأنواع من السحر فاقت القوى البشرية ومصدرها هو الرب. وكان يتقبل السحر الطبيعي — أو قدرة الفيلسوف على فهم الخصائص الغامضة — الذي «صار رائجًا» على يدَي زرادشت وسالموكسيس، الذي هو حسب عقيدتهم بشر إله من تراقيا مثل: طريسميجيسطيس.
أما نوع السحر الوحيد الذي أدانه نودي فهو سحر «الشعوذة» أو السحر الشيطاني؛ إذ يقول: «لا ينبغي للمرء أن يتصور أن هذا السحر المؤذيَ والمحرم كُتب بيد أي كائن إلا إبليس.»
تبنَّى الخيميائي الويلزي توماس فون (1621–1666) موقفًا مشابهًا في كتابه الذي نُشر تحت اسم مستعار بعنوان «العصور القديمة للسحر» (1650). وقد فصَل فون بين أصول المشروع والمحرم، وقال: «ليس السحر سوى حكمة الخالق التي تودَع في المخلوق وتتكشف من خلاله»، و«ما من كلمة يمكن أن تكون فاعلة في السحر، ما لم تستمد فعاليتها من كلمة الله.» لطالما كان العالم في الماضي والحاضر حافلًا بالسحرة الدجالين والمشعوذين، لكنَّ السحرة القدماء الحقيقيين كانوا ملوكًا وأنبياء؛ ومن ثَمَّ — كما يذهب فون — بما أن الله هو أصل السحر، فليس للسحر نقطة بدء، وإنما نقطة كشف الله عندها السحر للبشر.
وكما يشير عنوان كتاب فون — وكما اقترح آخرون قبله — فإنه يعتقد أن السحر كُشف لآدم وهو في الجنة قبل أن يهبط إلى الأرض. وهو يرى أن «السحر الملعون الشيطاني» ظهر بعد ذلك، وحدد — كما يليق ببروتستانتي ملتزم — فرعًا شيطانيًّا منه تمثل في طقوس التكريس وطرد الأرواح الشريرة التي تمارسها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
خلال القرن الثامن عشر، عملت ثلاثة مؤثرات أخرى على تشكيل مفهوم أصل السحر. أحد هذه المؤثرات تمثل في الماسونية، وهي عبارة عن مظلة تشمل مجموعة متنوعة من الأخويَّات العلمانية والسرية. وظهر الاهتمام بالممارسة السحرية واضحًا في جوانب الماسونية، لكن الافتتان بالرمزية القديمة كان قابعًا في قلبها. وقد تركز الجانب السري الغامض للماسونية في هندسة هيكل سليمان، وفي الأساطير التي نُسجت حول قصته.
ازداد إلقاء الضوء على هذا الغموض بحلول نهاية القرن نتيجةً لتزايد الاهتمام بالآثار المصرية. وكذلك زاد مذهب «الكابالا» اليهودي — أو بتعبير أدق، الصيغ المسيحية منه التي نشأت في عصر النهضة — الاهتمام بالطقوس والرموز التي يمكن أن تكشف أسرار الحكمة القديمة. وهكذا، شكَّلت الماسونية — في بعض الأوساط المثقفة — دافعًا جديدًا لاستكشاف تاريخ السحر.
شهد القرن الثامن عشر تطورًا آخر وجَّه قصة السحر نحو اتجاه مختلف؛ إذ ازدهر الاهتمام الأوروبي بثقافة الهند وتاريخها على خلفية نجاح شركة «الهند الشرقية» وزيادة قوة السيطرة البريطانية على القارة. وقد نال هذا التوجه تشجيع وارن هاستينجز (1732–1818)، أول حاكم بريطاني عام للهند، وشرع الباحثون لأول مرة في ترجمة النصوص الهندية السنسكريتية القديمة إلى الإنجليزية؛ وبذلك فتحوا عالمًا جديدًا من عوالم المعرفة الدينية والسحرية أمام جمهور المثقفين في بريطانيا. ثم حذا حذوهم علماء فقه اللغة والمستشرقون الألمان والفرنسيون.
شهد أواخر القرن الثامن عشر أيضًا ما بدا أنه طفرة علمية عظيمة بشَّرت بإجابة السؤال عن أصل السحر باعتباره «تأثيرًا»؛ فقد افترض الطبيب فرانز أنطوان ميسمر (1734–1815) — من فيينا — أنه يوجد داخل جسم الإنسان سائل مغناطيسي غير مرئي يمكن توجيهه للتأثير على أجسام أخرى. واستخدم هو وأتباعه ما يُعرف باسم «المغناطيسية الحيوانية» لعلاج المرضى عن طريق إزالة العوائق من مجرى السائل، إما من خلال قوة الإرادة أو الاتصال الجسدي. ثم اعتمد آخرون المفهوم الرئيسي لهذه العملية فعدلوه وطوروا فيه بعدة طرق. والتنويم المغناطيسي له أصله العلمي في المغناطيسية الحيوانية على سبيل المثال. وفي ألمانيا كان لطلبة المغناطيسية الحيوانية طابع غامض قوي. وقد قدمت الطبيعة الشاملة المفترضة لهذا السائل المغناطيسي تفسيرًا لحالات النشوة التي تميز الانجذاب الديني والاتصالات بعالم الأرواح، وبعض القوى غير الاحتيالية التي نُسبت للسحرة على مر التاريخ.كان أستاذ الفيسيولوجيا جوزيف إنموزر (1787–1854) أحد المحققين الألمان الذين تأثروا بكل التطورات التي ذكرناها سابقًا. وقد نشر كتابه «تاريخ المغناطيسية الحيوانية» (1844) باللغة الإنجليزية عام 1854 تحت عنوان «تاريخ السحر». كان هذا العمل المكون من مجلدين قد ترجمه العالم الروحاني ويليام هويت وابنه أثناء رحلة إلى أستراليا عام 1852؛ «عندما لم تكن إنجلترا قد سمعت شيئًا يُذكر عن وجود الروحانية الأمريكية، ولم نكن نحن نحلم بأن يكون لها وجود». توصل إنموزر — خلال استقصائه للأدب الكلاسيكي، وأدب عصر النهضة عن تاريخ السحر — إلى استنتاج جديد اعتمادًا على درايته بالديانات والأساطير الآسيوية؛ إذ خلص إلى أن أصل السحر لم يكن في بلاد فارس أو مصر أو وسط اليهود، وإنما أبعد من ذلك في أقصى الشرق، وأن السحر «بمعناه الحقيقي والأصلي» باعتباره اتصالًا بعالم الأرواح ودراسة للطبيعة، وباعتباره «هبة استثنائية وفطرية في النفس البشرية»؛ قد نشأ في آسيا.كان إنموزر قد استمد أدلته من ترجمات النصوص الدينية السنسكريتية الهندية القديمة مثل: «قانون مانو» — الذي يعود تاريخه إلى نحو ألفَي عام أو يزيد — وكتاب «الفيدا»، فضلًا عن مجلدات أخرى مقدسة ذات صلة، مثل: نصوص «الزندافيستا» الزرادشتية، ونصوص أخرى صينية. ووفقًا لإنموزر، فإن السحر بحلول زمن زرادشت كان قد أصابه الفساد وأُسيء استخدامه، وتفرع إلى نوعيه الأبيض والأسود. وذهب إلى أن «تعاليم سحرة مصر والإسكندرية والعصور الوسطى التي ظهرت لاحقًا تأسست على رؤى العصور القديمة الشرقية واليهودية والإغريقية، ولم تتغير وتتنوع إلا لكي تناسب عصرها.» لكن دورية «وستمنستر ريفيو» رفضت كتاب إنموزر رفضًا حمل طابعًا هجوميًّا شرسًا:إننا نشعر أنه من قبيل التساهل والتمادي أن نمنح أي مكانة في الحقل العلمي — ولو كانت على هامشه — لكتاب إنموزر «تاريخ السحر». فهكذا موضوع — تناوله مفكر علمي كُفُؤ تناولًا مناسبًا — ربما يكون مثارًا خصبًا للتعليقات، لكننا لا يسعنا إلا أن نأسف لأن تخمينات الدكتور إنموزر الساذجة والجنونية لم تعد قابعة في عتمة اللغة البدائية.لكن هذا الكتاب كان — في نظر الكثيرين — مصدرًا لقدر كبير من الإلهام والمعرفة، وظل مرجعًا لعلماء نفس ومؤرخين وعلماء أنثروبولوجيا ومشعوذين، ومثيرًا لفضول شخصيات بارزة في مجال الأدب مثل: تشارلز ديكنز، وإليزابيث جاسكل.
وبينما نال كتاب إنموزر تقديرًا ثقافيًّا واسع النطاق، تحوَّل كتاب آخر صدر في القرن التاسع عشر يحمل أيضًا عنوان «تاريخ السحر» من تأليف الساحر الفرنسي ألفونس لويس كونستان (1810–1875) — والمشهور باسم إليفاس ليفي — إلى أحد أحجار الأساس التي أسست لعلم دراسة القوى الخارقة المعاصر. وقد كرر ليفي في كتابه «تاريخ السحر» الذي نُشر عام 1860 الروايةَ التقليدية المألوفة عن أصل السحر التي وردت في الكتاب المقدس، لكن مع إجراء تعديلات طفيفة؛ فالسحر بحسب هذا الكتاب هو «العلم الغيبي الخارق، والعلم المطلق» الذي تمتع به إبراهيم وكونفوشيوس وزرادشت، والذي نقشه على الحجر أخنوخ وهرمس طريسميجيسطيس. لكن ليفي لم يستطِعْ تجاهل النصوص الدينية السحرية السنسكريتية القديمة التي باتت في المتناول. ولما كان ليفي مقتنعًا بأن من أنشأ الهند هم ذرية قابيل الذي وردت رواية نفيه في الكتاب المقدس، اعتقد بأن هذا البلد هو موطن السحر الأسود «الشعوذة» وممارسي الدجل المؤذِين. والهند موطن لكل المذاهب الوثنية، وأصل السحر الزائف الموصوف ب «ألف عاهة، والذي يرهب العقول الحصيفة، والباعث على اللعنة من أي كنيسة واعية».
يمثل ليفي — الذي استلهم رؤيته من مذهب الكابالا والمذهب الكاثوليكي الذي يعتنقه هو شخصيًّا — رافدًا رئيسيًّا من روافد علم دراسة القوى الخارقة المعاصر الذي جعل من التبصر السحري تراثًا مسيحيًّا يهوديًّا غربيًّا. وثَمَّةَ رافد آخر في الشرق، وقد نال التأييد الأكبر من الحركة الثيوصوفية التي أسستها الوسيطة الروحانية هيلينا بيتروفنا بلافاتسكي (1831–1891).
كانت بلافاتسكي قد جابت العالم سعيًا وراء المعرفة الروحانية، وتلمَّست سبيلها عبر مختلِف فروع التراث الصوفي؛ فتوصلت إلى أن أصل كل الحكمة القديمة يكمن في الهند والتبت. تجسد هذا من خلال الحكماء أو القديسين «المهاتما» الغامضين، باعتبارهم بشرًا ارتقَوْا إلى مرتبة روحانية أسمى، وهؤلاء ادَّعت بلافاتسكي بأنها تستمد منهم قوًى روحانية. وكانت تعتقد بأن الهند هي مهد العرق المصري. ولم يكن من المستغرب أن نجد أن بلافاتسكي قد اعتمدت في فهمها لتاريخ السحر اعتمادًا كبيرًا على الترجمة الإنجليزية لكتاب إنموزر، وهو الأمر الذي لا شك في أنه صاغ مفهومها عن المعرفة الغيبية الممتدة من الشرق إلى الغرب.
وقد حررت إحدى أتباعها الأوائل — واسمها إيما هاردينج بريتن (1823–1899) الوسيطة الروحانية الأمريكية بريطانية المولد — كتابًا عنوانه «فن السحر: أو الروحانية الدنيوية ودون الدنيوية وفوق الدنيوية»، تناول موضوع التوجه إلى أقصى الشرق بحثًا عن أصل السحر، وجاء فيه: «لا يوجد كثير من أمم الشرق تفُوق في اهتمامها بالسحر الأمة الصينية؛ الشعب الذي يشكل تراثه لغزًا تاريخيًّا، وينازع حتى الهند في عراقة الأصل.»مع أن جميع محاولات التأريخ المنشورة عن السحر تهتم تقريبًا بأوروبا والعالم القديم، ثَمَّةَ حضارات أخرى كثيرة في جميع أنحاء العالم لها تاريخها السحري أيضًا، وإن كان لم يَنَلْ سوى نصيب قليل من المؤلفات التي كُتبت عنه.
في الكثير من المجتمعات، يجري التعبير عن هذا التاريخ شفويًّا من خلال الأسطورة والخرافة؛ فسكان جزر تروبرياند — مثلًا — الذين درسهم مالينوفسكي كان لديهم تفسيران أسطوريان، أحدهما أن أول من أوجد السحر هي أرواح الأسلاف التي تستقر في عالم سفلي تنبع منه الحياة كلها. وثَمَّةَ أسطورة أخرى تفسر كيف قُدم السحر للناس أولًا من خلال الشخصية البطولية «تودافا»، الذي خلق بعض الجزر بأن ألقى الحجارة في البحر، والذي وهب البشر نعمة الزراعة.
وقد ورد في دراسة قديمة — كان عالم الأنثروبولوجيا الهاوي لويس فوري قد أجراها عن البوشمن الذين يعيشون في صحراء كالهاري — أن هؤلاء الناس آمنوا بأن السحر مستمَد من روح شريرة تُدعى «جاوا»، التي تستقبل أرواح أولئك الذين يموتون «ميتة شنيعة». ساوى لويس فوري بين «جاوا» وإبليس، الأمر الذي يثير مجددًا مسألة الوعي بأن الرغبة في إيجاد أوجه تشابه بين تلك الحضارات وتاريخ المسيحية الغربي، قد تؤدي إلى تشويه معتقدات الثقافات الأخرى أو سوء تمثيلها.
من أين أتى السحر؟ قبل ظهور علم الأنثروبولوجيا بوقتٍ طويل، ظل المثقفون يفكرون مليًّا في إجابة هذا السؤال. وغالبًا ما كانت الإجابة أنه أتى من الشرق، لكن ما مدى بُعد هذا الشرق الذي أتى منه السحر؟ يقدم لنا المفكر الروماني المناصر لمذهب الطبيعة بلينيوس الأكبر (23–79م) أول محاولة مدروسة لتصور تاريخ السحر؛ فقد ورد في كتابه «التاريخ الطبيعي» أنه كان هناك «إجماع عالمي على أن السحر بدأ في بلاد فارس بظهور زرادشت.»
وبناءً على حسابات القرن الرابع قبل الميلاد التي أجراها عالم الرياضيات الإغريقي يودوكسوس والفيلسوف أرسطو، قدَّر بلينيوس أن زرادشت قد عاش قبل ستة آلاف عام من زمن أفلاطون الذي وُلد في القرن الخامس قبل الميلاد.
لكن السحر لم يجد طريقه إلى الغرب إلا خلال الحملة الحربية الفاشلة التي شنها الملك الفارسي خشايارشا على الإغريق، وقد كان هذا عام 480 قبل الميلاد. وكان هناك ساحر يُدعى أوستانا — والذي اعتقد بلينيوس أنه أول من دوَّن السحر — يرافق خشايارشا «ونشر الوباء في العالم أينما حل خلال رحلتهما». وهكذا أصيب الإغريق — كما يذهب بلينيوس متحسرًا — باشتهاء السحر والجنون به. وذكر أن فيثاغورس وأفلاطون وإيمبيدوكليس وديموقريطوس ارتحلوا جميعًا إلى الشرق ليعرفوا المزيد عن السحر الذي نشره أوستانا ورفيقه المجوسي، اللذان اعتبرهما بلينيوس محتالَين وأحمقَين.
تميزت أعمال ديموقريطوس (460–370ق.م) بأنها الأكثر تأثيرًا في نشر منهج السحر الفارسي.
ويُعزَى تركيز بلينيوس على ديموقريطوس — الذي اعتبره البعض «أبو العلم» — إلى أنه كان مقتنعًا بما نُسب زورًا لهذا الرجل من ممارسة أعمال السحر والخيمياء (السيمياء).
وكان من بين أبرز النصوص «كيروميكتا» الذي شرح الخصائص السحرية للنباتات والأحجار والحيوانات. كان المؤلف الفعلي لهذا النص — على ما يبدو — مصريًّا نال تعليمه في اليونان ويدعى بولس الميندسي.
عرَّف بلينيوس فيما كتبه عن تاريخ السحر فروعًا أكثر حداثة من السحر، أحدها تفرع من «موسى وينيس ويمبريس واليهود، لكنه كان حيًّا بعد زمن زرادشت بآلاف السنين». وظهر فرع آخر في قبرص.حذا بعض الكُتَّاب المسيحيين الأوائل حذو الإغريق والرومان في رد أصول السحر إلى عالم البشر، وتحديدًا إلى زرادشت وأوستانا، لكنَّ ثَمَّةَ أسماءً أخرى كانت بارزة، منها ملكان مصريان ساحران اسمهما نخت أنبو وبختانيس.
لكن لما كان تاريخ السحر مغمورًا بالكامل في «رؤية عالمية» مسيحية، كان لا بد أن يحتويَ العهد القديم نسبة السحر إلى أصول ومواقع جغرافية.
ظهر السرد الرئيسي في أدب مؤثر وملفق، مثل الرسالة الإكليمندية الزائفة التي تنسب للأب كليمنت أسقف روما، والتي انتشرت خلال القرن الرابع الميلادي.
تقول الرسالة إن شياطينَ هي التي علَّمت البشر السحر، ويتوافق هذا مع تراث يهودي ورد في جزء من «سفر أخنوخ» يحمل اسم «الملائكة الساهرون» الذي ربما يعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد؛ إذ يذكر هذا الكتاب أن شياطين هبطت من عند الرب مدفوعة بدوافع الفسق التي جعلتها تتمرد وتهبط إلى الأرض لتتزوج من بنات البشر، وأنجبت عمالقة، وقد لقنت تلك الشياطين رفيقاتها الإناث السحر وعلم الأعشاب بينما كانت تستمع بحريتها.
كان تركيز المسيحية منصبًّا بشدة على انتقال السحر عبر سلسلة من الذكور؛ إذ ورد في «إقرارات» الرسالة الإكليمندية الزائفة أن حام بن نوح كان أول من مارس هذا الفن الشيطاني الفاسق الجديد، وقد ظل علمه بالسحر باقيًا بعد «الطوفان العظيم» ووصل إلى مصرايم ابنه، ومن ابنه إلى ذريته من المصريين والفرس والبابليين. وهكذا شُبِّه مصرايم بزرادشت (وإن كانت مصادر أخرى تذكر أن حام هو نفسه زرادشت). لكن إبيفانيوس — أحد آباء الكنيسة في القرن الرابع — كان يعتقد أن السحر ظهر قبل حام واختار أن ينسبه لجاريد ابن الجيل الخامس من ذرية آدم.
يعد النمرود أيضًا شخصية بارزة في هذه الحكايات التاريخية الأولى عن السحر؛ إذ يقول العهد القديم إنه حفيد حام، وإنه عاش بالقرب من المراكز الحضرية الهامة في بابل وأوروك (الوركاء). وقد اكتسب شهرة أسطورية كصياد بارع وثائر في وجه الرب. يقول إبيفانيوس إن النمرود وضع أسس علم السحر، وتروي «الإقرارات» كيف تلقى علمه بالسحر في لمح البصر من أعلى، من السماء. وكان بعض الكُتَّاب الأوائل أيضًا يعتبرون أن النمرود هو نفسه زرادشت.
وبصرف النظر عن السلالة التي انحدر منها، كانت الرؤية المسيحية اليهودية تذهب إلى أن السحر أنتجه البابليون أو الفرس أو المصريون، الذين تعلم موسى منهم حيلة أو اثنتين.
أضاف العهد الجديد شخصيات جديدة إلى قصة بداية انتقال السحر؛ إذ يظهر سيمون المجوسي أولًا في العهد الجديد في سفر أعمال الرسل، الذي يصفه بأنه رجل سامري «كان قد مارس السحر في المدينة من قبل».
ويروي لنا السفر قصة تعميده، وعتاب بيتر إياه لأنه عرض المال مقابل الحصول على سر الشفاء من خلال الروح القدس بحيث يشفي من يضع يده عليه. ليست هناك تفاصيل أخرى أكثر من ذلك، لكن تحوُّل سيمون إلى مجوسي وساحر بارع وأب لكل البدع أوردتْه نصوص كُتبَت في القرنين الثاني والثالث الميلاديين.
وتزعم إحدى مخطوطات القرن الرابع الميلادي — على سبيل المثال — أن سيمون تُوُفِّيَ بعد محاولته الطيران.
ظلت الأسطورة تخضع للإضافة والمبالغة والتحريف على مر القرون الثمانية عشر اللاحقة.
خلال العصور الوسطى، برز سليمان المذكور في الكتاب المقدس — والذي طالما استُخدم اسمه في ممارسة السحر — في الصدارة على افتراض أنه أصل السحر أو الحكمة، اعتمادًا على وجهات النظر المعاصرة المختلفة في هذا الصدد؛ فقد صيغت كتب السحر التي تدَّعي أنها تحوي تفاصيل بشأن طقوسه والسحر الذي استخدمه لإخضاع الجان وتحقيق التنوير الروحي.
ثَمَّةَ رمز أسطوري آخر من رموز السحر هو هرمس طريسميجيسطيس — الاسم الذي ظل حيًّا في هذا المجال لعدة قرون — الذي قيل عنه إنه ألَّف آلاف الكتب في العلم والغيبيات أو «الفنون الغامضة». فلما كان هرمس شخصية متعددة الهويات باعتباره فى اعتقادهم " إلها بشريا ومزيجًا توفيقيًّا من الإله المصري تحوت والإله اليوناني هرمس!!!" لذا أصبح شخصية بارزة في تراث السحر إبَّان عصر النهضة في القرن الخامس عشر، لا سيما عقب العثور على مخطوطات عن الفلسفة الغيبية زُعم أنه مؤلفها وتُرجمت إلى اللاتينية.
في محاضرة أُلقيت بإحدى الجامعات في عام 1636، طرح شخص يُدعى سايمون رافنزبرج السؤال البلاغي التالي: «هل يمكن تقديم معلومات حاسمة بشأن أول مصدر للسحر، أعني أين نشأ ومتى كان ذلك … إلخ؟» ثم أجاب: «لا، لا يمكن.» وأردف أنه ثَمَّةَ أمر واحد فقط يقينيٌّ، وهو أن السحر «وُلد مع الوثنية، وكأنهما خرجا من نفس الرحم.» باختصار؛ لقد كان السحر اختراع الشياطين.
ؤكن هذه الآراء اليقينية تعرضت للتشكيك في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حينما بات السحر نفسه يحظى بالدفاع أو — على الأقل — بات تاريخه يخضع للمراجعة.
ففي عام 1625، ألَّف أمين المكتبة والطبيب الفرنسي جابرييل نودي (1600–1653) كتابًا بعنوان «اعتذار لكل الحكماء الذين اتُّهموا زورًا بممارسة السحر» تُرجم إلى الإنجليزية عام 1657 تحت عنوان «تاريخ السحر». وكان نودي يهدف لتبرئة شخصيات مثل: زرادشت، وسقراط، وفيثاغورس، وفيرجيل، وعالم القرون الوسطى روجر بيكون، مما وصموا به من شائعات كاذبة واتهامات على مدار قرون. وإبَّان ذلك، أضفى تألقًا إيجابيًّا على السحر نفسه. وقال إن هؤلاء الرجال العظام في مجالَي الفنون والعلم — وغيرهم — طالتهم الشبهات بسبب «انخراطهم في السياسة وتعلُّم العلوم الجديدة والرياضيات، وبسبب معلومات من كتب ملفقة وملاحظات خرافية، وهرطقة وحقد ومنافسة، وجهل وسرعة تصديق من جانب القراء، وافتقار الحصافة ومَلَكة التمييز من جانب الكُتَّاب». ميَّز نودي بين السحر المشروع وغير المشروع، وقال إن السحر المشروع يشمل السحر الإلهي؛ أي: النبوءات والمعجزات والتكلم بالألسنة. ثم هناك السحر «العلوي» الذي يتحقق أثره بالتواصل مع الملائكة، وهذه الأنواع من السحر فاقت القوى البشرية ومصدرها هو الرب. وكان يتقبل السحر الطبيعي — أو قدرة الفيلسوف على فهم الخصائص الغامضة — الذي «صار رائجًا» على يدَي زرادشت وسالموكسيس، الذي هو حسب عقيدتهم بشر إله من تراقيا مثل: طريسميجيسطيس.
أما نوع السحر الوحيد الذي أدانه نودي فهو سحر «الشعوذة» أو السحر الشيطاني؛ إذ يقول: «لا ينبغي للمرء أن يتصور أن هذا السحر المؤذيَ والمحرم كُتب بيد أي كائن إلا إبليس.»
تبنَّى الخيميائي الويلزي توماس فون (1621–1666) موقفًا مشابهًا في كتابه الذي نُشر تحت اسم مستعار بعنوان «العصور القديمة للسحر» (1650). وقد فصَل فون بين أصول المشروع والمحرم، وقال: «ليس السحر سوى حكمة الخالق التي تودَع في المخلوق وتتكشف من خلاله»، و«ما من كلمة يمكن أن تكون فاعلة في السحر، ما لم تستمد فعاليتها من كلمة الله.» لطالما كان العالم في الماضي والحاضر حافلًا بالسحرة الدجالين والمشعوذين، لكنَّ السحرة القدماء الحقيقيين كانوا ملوكًا وأنبياء؛ ومن ثَمَّ — كما يذهب فون — بما أن الله هو أصل السحر، فليس للسحر نقطة بدء، وإنما نقطة كشف الله عندها السحر للبشر.
وكما يشير عنوان كتاب فون — وكما اقترح آخرون قبله — فإنه يعتقد أن السحر كُشف لآدم وهو في الجنة قبل أن يهبط إلى الأرض. وهو يرى أن «السحر الملعون الشيطاني» ظهر بعد ذلك، وحدد — كما يليق ببروتستانتي ملتزم — فرعًا شيطانيًّا منه تمثل في طقوس التكريس وطرد الأرواح الشريرة التي تمارسها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
خلال القرن الثامن عشر، عملت ثلاثة مؤثرات أخرى على تشكيل مفهوم أصل السحر. أحد هذه المؤثرات تمثل في الماسونية، وهي عبارة عن مظلة تشمل مجموعة متنوعة من الأخويَّات العلمانية والسرية. وظهر الاهتمام بالممارسة السحرية واضحًا في جوانب الماسونية، لكن الافتتان بالرمزية القديمة كان قابعًا في قلبها. وقد تركز الجانب السري الغامض للماسونية في هندسة هيكل سليمان، وفي الأساطير التي نُسجت حول قصته.
ازداد إلقاء الضوء على هذا الغموض بحلول نهاية القرن نتيجةً لتزايد الاهتمام بالآثار المصرية. وكذلك زاد مذهب «الكابالا» اليهودي — أو بتعبير أدق، الصيغ المسيحية منه التي نشأت في عصر النهضة — الاهتمام بالطقوس والرموز التي يمكن أن تكشف أسرار الحكمة القديمة. وهكذا، شكَّلت الماسونية — في بعض الأوساط المثقفة — دافعًا جديدًا لاستكشاف تاريخ السحر.
شهد القرن الثامن عشر تطورًا آخر وجَّه قصة السحر نحو اتجاه مختلف؛ إذ ازدهر الاهتمام الأوروبي بثقافة الهند وتاريخها على خلفية نجاح شركة «الهند الشرقية» وزيادة قوة السيطرة البريطانية على القارة. وقد نال هذا التوجه تشجيع وارن هاستينجز (1732–1818)، أول حاكم بريطاني عام للهند، وشرع الباحثون لأول مرة في ترجمة النصوص الهندية السنسكريتية القديمة إلى الإنجليزية؛ وبذلك فتحوا عالمًا جديدًا من عوالم المعرفة الدينية والسحرية أمام جمهور المثقفين في بريطانيا. ثم حذا حذوهم علماء فقه اللغة والمستشرقون الألمان والفرنسيون.
شهد أواخر القرن الثامن عشر أيضًا ما بدا أنه طفرة علمية عظيمة بشَّرت بإجابة السؤال عن أصل السحر باعتباره «تأثيرًا»؛ فقد افترض الطبيب فرانز أنطوان ميسمر (1734–1815) — من فيينا — أنه يوجد داخل جسم الإنسان سائل مغناطيسي غير مرئي يمكن توجيهه للتأثير على أجسام أخرى. واستخدم هو وأتباعه ما يُعرف باسم «المغناطيسية الحيوانية» لعلاج المرضى عن طريق إزالة العوائق من مجرى السائل، إما من خلال قوة الإرادة أو الاتصال الجسدي. ثم اعتمد آخرون المفهوم الرئيسي لهذه العملية فعدلوه وطوروا فيه بعدة طرق. والتنويم المغناطيسي له أصله العلمي في المغناطيسية الحيوانية على سبيل المثال. وفي ألمانيا كان لطلبة المغناطيسية الحيوانية طابع غامض قوي. وقد قدمت الطبيعة الشاملة المفترضة لهذا السائل المغناطيسي تفسيرًا لحالات النشوة التي تميز الانجذاب الديني والاتصالات بعالم الأرواح، وبعض القوى غير الاحتيالية التي نُسبت للسحرة على مر التاريخ.كان أستاذ الفيسيولوجيا جوزيف إنموزر (1787–1854) أحد المحققين الألمان الذين تأثروا بكل التطورات التي ذكرناها سابقًا. وقد نشر كتابه «تاريخ المغناطيسية الحيوانية» (1844) باللغة الإنجليزية عام 1854 تحت عنوان «تاريخ السحر». كان هذا العمل المكون من مجلدين قد ترجمه العالم الروحاني ويليام هويت وابنه أثناء رحلة إلى أستراليا عام 1852؛ «عندما لم تكن إنجلترا قد سمعت شيئًا يُذكر عن وجود الروحانية الأمريكية، ولم نكن نحن نحلم بأن يكون لها وجود». توصل إنموزر — خلال استقصائه للأدب الكلاسيكي، وأدب عصر النهضة عن تاريخ السحر — إلى استنتاج جديد اعتمادًا على درايته بالديانات والأساطير الآسيوية؛ إذ خلص إلى أن أصل السحر لم يكن في بلاد فارس أو مصر أو وسط اليهود، وإنما أبعد من ذلك في أقصى الشرق، وأن السحر «بمعناه الحقيقي والأصلي» باعتباره اتصالًا بعالم الأرواح ودراسة للطبيعة، وباعتباره «هبة استثنائية وفطرية في النفس البشرية»؛ قد نشأ في آسيا.كان إنموزر قد استمد أدلته من ترجمات النصوص الدينية السنسكريتية الهندية القديمة مثل: «قانون مانو» — الذي يعود تاريخه إلى نحو ألفَي عام أو يزيد — وكتاب «الفيدا»، فضلًا عن مجلدات أخرى مقدسة ذات صلة، مثل: نصوص «الزندافيستا» الزرادشتية، ونصوص أخرى صينية. ووفقًا لإنموزر، فإن السحر بحلول زمن زرادشت كان قد أصابه الفساد وأُسيء استخدامه، وتفرع إلى نوعيه الأبيض والأسود. وذهب إلى أن «تعاليم سحرة مصر والإسكندرية والعصور الوسطى التي ظهرت لاحقًا تأسست على رؤى العصور القديمة الشرقية واليهودية والإغريقية، ولم تتغير وتتنوع إلا لكي تناسب عصرها.» لكن دورية «وستمنستر ريفيو» رفضت كتاب إنموزر رفضًا حمل طابعًا هجوميًّا شرسًا:إننا نشعر أنه من قبيل التساهل والتمادي أن نمنح أي مكانة في الحقل العلمي — ولو كانت على هامشه — لكتاب إنموزر «تاريخ السحر». فهكذا موضوع — تناوله مفكر علمي كُفُؤ تناولًا مناسبًا — ربما يكون مثارًا خصبًا للتعليقات، لكننا لا يسعنا إلا أن نأسف لأن تخمينات الدكتور إنموزر الساذجة والجنونية لم تعد قابعة في عتمة اللغة البدائية.لكن هذا الكتاب كان — في نظر الكثيرين — مصدرًا لقدر كبير من الإلهام والمعرفة، وظل مرجعًا لعلماء نفس ومؤرخين وعلماء أنثروبولوجيا ومشعوذين، ومثيرًا لفضول شخصيات بارزة في مجال الأدب مثل: تشارلز ديكنز، وإليزابيث جاسكل.
وبينما نال كتاب إنموزر تقديرًا ثقافيًّا واسع النطاق، تحوَّل كتاب آخر صدر في القرن التاسع عشر يحمل أيضًا عنوان «تاريخ السحر» من تأليف الساحر الفرنسي ألفونس لويس كونستان (1810–1875) — والمشهور باسم إليفاس ليفي — إلى أحد أحجار الأساس التي أسست لعلم دراسة القوى الخارقة المعاصر. وقد كرر ليفي في كتابه «تاريخ السحر» الذي نُشر عام 1860 الروايةَ التقليدية المألوفة عن أصل السحر التي وردت في الكتاب المقدس، لكن مع إجراء تعديلات طفيفة؛ فالسحر بحسب هذا الكتاب هو «العلم الغيبي الخارق، والعلم المطلق» الذي تمتع به إبراهيم وكونفوشيوس وزرادشت، والذي نقشه على الحجر أخنوخ وهرمس طريسميجيسطيس. لكن ليفي لم يستطِعْ تجاهل النصوص الدينية السحرية السنسكريتية القديمة التي باتت في المتناول. ولما كان ليفي مقتنعًا بأن من أنشأ الهند هم ذرية قابيل الذي وردت رواية نفيه في الكتاب المقدس، اعتقد بأن هذا البلد هو موطن السحر الأسود «الشعوذة» وممارسي الدجل المؤذِين. والهند موطن لكل المذاهب الوثنية، وأصل السحر الزائف الموصوف ب «ألف عاهة، والذي يرهب العقول الحصيفة، والباعث على اللعنة من أي كنيسة واعية».
يمثل ليفي — الذي استلهم رؤيته من مذهب الكابالا والمذهب الكاثوليكي الذي يعتنقه هو شخصيًّا — رافدًا رئيسيًّا من روافد علم دراسة القوى الخارقة المعاصر الذي جعل من التبصر السحري تراثًا مسيحيًّا يهوديًّا غربيًّا. وثَمَّةَ رافد آخر في الشرق، وقد نال التأييد الأكبر من الحركة الثيوصوفية التي أسستها الوسيطة الروحانية هيلينا بيتروفنا بلافاتسكي (1831–1891).
كانت بلافاتسكي قد جابت العالم سعيًا وراء المعرفة الروحانية، وتلمَّست سبيلها عبر مختلِف فروع التراث الصوفي؛ فتوصلت إلى أن أصل كل الحكمة القديمة يكمن في الهند والتبت. تجسد هذا من خلال الحكماء أو القديسين «المهاتما» الغامضين، باعتبارهم بشرًا ارتقَوْا إلى مرتبة روحانية أسمى، وهؤلاء ادَّعت بلافاتسكي بأنها تستمد منهم قوًى روحانية. وكانت تعتقد بأن الهند هي مهد العرق المصري. ولم يكن من المستغرب أن نجد أن بلافاتسكي قد اعتمدت في فهمها لتاريخ السحر اعتمادًا كبيرًا على الترجمة الإنجليزية لكتاب إنموزر، وهو الأمر الذي لا شك في أنه صاغ مفهومها عن المعرفة الغيبية الممتدة من الشرق إلى الغرب.
وقد حررت إحدى أتباعها الأوائل — واسمها إيما هاردينج بريتن (1823–1899) الوسيطة الروحانية الأمريكية بريطانية المولد — كتابًا عنوانه «فن السحر: أو الروحانية الدنيوية ودون الدنيوية وفوق الدنيوية»، تناول موضوع التوجه إلى أقصى الشرق بحثًا عن أصل السحر، وجاء فيه: «لا يوجد كثير من أمم الشرق تفُوق في اهتمامها بالسحر الأمة الصينية؛ الشعب الذي يشكل تراثه لغزًا تاريخيًّا، وينازع حتى الهند في عراقة الأصل.»مع أن جميع محاولات التأريخ المنشورة عن السحر تهتم تقريبًا بأوروبا والعالم القديم، ثَمَّةَ حضارات أخرى كثيرة في جميع أنحاء العالم لها تاريخها السحري أيضًا، وإن كان لم يَنَلْ سوى نصيب قليل من المؤلفات التي كُتبت عنه.
في الكثير من المجتمعات، يجري التعبير عن هذا التاريخ شفويًّا من خلال الأسطورة والخرافة؛ فسكان جزر تروبرياند — مثلًا — الذين درسهم مالينوفسكي كان لديهم تفسيران أسطوريان، أحدهما أن أول من أوجد السحر هي أرواح الأسلاف التي تستقر في عالم سفلي تنبع منه الحياة كلها. وثَمَّةَ أسطورة أخرى تفسر كيف قُدم السحر للناس أولًا من خلال الشخصية البطولية «تودافا»، الذي خلق بعض الجزر بأن ألقى الحجارة في البحر، والذي وهب البشر نعمة الزراعة.
وقد ورد في دراسة قديمة — كان عالم الأنثروبولوجيا الهاوي لويس فوري قد أجراها عن البوشمن الذين يعيشون في صحراء كالهاري — أن هؤلاء الناس آمنوا بأن السحر مستمَد من روح شريرة تُدعى «جاوا»، التي تستقبل أرواح أولئك الذين يموتون «ميتة شنيعة». ساوى لويس فوري بين «جاوا» وإبليس، الأمر الذي يثير مجددًا مسألة الوعي بأن الرغبة في إيجاد أوجه تشابه بين تلك الحضارات وتاريخ المسيحية الغربي، قد تؤدي إلى تشويه معتقدات الثقافات الأخرى أو سوء تمثيلها.
زائر- المساهمات : 222
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
مواضيع مماثلة
» وجهات الكلادينج الأحدث والأفضل في نظم وجهات المباني والشركات
» تفسير حلم السحر من شخص أعرفه
» تفسر حلم السحر فى المنام لابن سيرين
» 7 خطوات لتركيب وتجهيز وجهات الكلادينج
» أهم ما يميز وجهات الكلادينج عن غيرها من الوجهات
» تفسير حلم السحر من شخص أعرفه
» تفسر حلم السحر فى المنام لابن سيرين
» 7 خطوات لتركيب وتجهيز وجهات الكلادينج
» أهم ما يميز وجهات الكلادينج عن غيرها من الوجهات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى